ينطوي هذا الطعن على نقطة قانونية على جانب من الأهمية متعلقة بشروط صحة الإبراء ورجوعًا عن أي اجتهاد مخالف .
إن المستفاد من نصوص المواد (444 و446 و447/1) من القانون المدني أن الإبراء تصرف قانوني بالإرادة المنفردة يتنازل بموجبه الدائن عن حق له بمواجهة مدينه وهو من أسباب انقضاء الالتزام، وطالما أن الإبراء يتنازل بموجبه الدائن عن حقه دون مقابل فيشكل هذا التصرف تبرعاً يخضع للأحكام الموضوعية التي تسري على كل تبرع.
تنطبق على الإبراء القواعد القانونية المنصوص عليها في التصرف الانفرادي كمصدر من مصادر الالتزام وكذلك أحكام الهبة بما يتفق مع أحكامه.
حتى يعتبر الإبراء قانونياً يجب أن يصدر عن الدائن بصورة صحيحة فتكون إرادته خالية من أي عيب من عيوب الإرادة، وأن محل الإبراء يجب أن تتوافر فيه الشروط العامة للعقود فيجب أن يكون موجوداً وممكناً ومعيناً أو قابلاً للتعيين وأن يكون مشروعاً قابلاً للتعامل فيه، فمحل الإبراء هو الالتزام أو الحق المعلق بذمة المدين، وهو يعتبر هبة غير مباشرة ولذلك أجاز المشرع للدائن هبة الدين للمدين واعتبرها إبراء، وعند وقوع الشك في وقوع الإبراء من الدائن فلا يكون هناك محل لتفسير إرادته بأنه قد قصد الإبراء لأنه الإبراء لا يُفترض كونه نزول عن الحق.
إن الديْن يجب أن يكون موجوداً وقت الإبراء، فالإبراء وبموجب أحكام المادة (1536) من القانون المدني ينقسم إلى قسمين، الأول إبراء إسقاط وهو أن يبرئ أحد الآخر بإسقاط تمام حقه الذي هو عند الآخر أو بحط مقدار منه عن ذمته، والثاني إبراء استيفاء وهو اعتراف أحد بقبض واستيفاء حقه الذي هو في ذمة الآخر.
ان إبراء الإسقاط لا يكون إلا في الحقوق الموجودة فعلاً فهي التي تقبل الزوال والانتهاء، أما في الحقوق قبل وجودها فلا تقبل الإسقاط لأن إسقاط الساقط محال وإسقاط الحق قبل وجوده باطل ولا يرتب أثر فالمشرع قيّد الإبراء بأن لا يكون إلا عن دين قائم ولا يجوز عن دين مستقبل، ويدخل في ذلك علم الدائن بأن له ديناً في ذمة المدين حتى يصدر الإبراء عن إرادة سليمة مختارة فيعلم أنه له حق ابتداءً ثم يختار إبراء المدين منه.
إن الإبراء لا يكون إلا عن دين قائم معلوماً للدائن ولا يصح عن دين مستقبل، عدم علم المبرئ بأنه له حقاً في ذمة المُبرِئ ينفي ركن الرضا والاختيار بالإبراء، فحتى يصح الإبراء وهبة الدين للمدين يُوجب ابتداءً علم الدائن بهذا الدين ومن ثم يختار إبراء المدين منه، وإلا فإنها لا تعتبر من موانع الرجوع عن الهبة كونها تعتبر كذلك في الإبراء المستوفي لشروطه القانونية، وحيث إن الإبراء نوع من الإقرار ويشترط فيه ألا يكذب ظاهر الحال الإقرار، فإن الإقرار المخالف للواقع لا يلزم المقر طالما اعترى محله الجهالة.
إذا تعلق الإبراء بأي تصرف يقوم به المدعى عليه نيابة عن المبرئ بصفته الشخصية أو بالنيابة عن الشركات المملوكة له، فهو إبراء مقيّد بجميع التصرفات التي قام بها نيابة عن المالك ولا يمتد إلى التصرفات الشخصية الخارجة عن هذه النيابة.
إن قرار المدعي العام بمنع المحاكمة ليس له أي حجية بمواجهة القاضي المدني وكذلك الأمر بالنسبة لقرار المحكمة بوقف الملاحقة، وإن الحجية الملزمة للقاضي المدني هي تلك الحجية التي نص عليها المشرع في المادة (332) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ يشترط أن يصدر حكم جزائي عن محكمة جزائية مكتسب للدرجة القطعية قضى في موضوع الدعوى الجزائية بالبراءة أو عدم المسؤولية أو بالإسقاط أو بالإدانة وذلك فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها عندها يكون له قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها.
تمييز حقوق هيئة عامة رقم (4081/2024)